بين الفتى الحوثي وعجائز الجنوب !
حين قدم إلى الحياة الطفل عبدا لملك بدر الدين الحوثي في العام 1979م كان معظم الساسة الجنوبيين البارزين يومها قد قضوا أكثر من عشر سنوات في مواقع وزراء وقادة كبار في دولة الجنوب السابقة بل كان فيهم من يدير وزارتين أوأكثر في آن .
وفي حين لم يتلق عبدا لملك الحوثي أي تعليم ثانوي أو جامعي كما تقول سيرته الذاتية باستثناء دراسته الدينية على يدي والده بدرالدين الحوثي ، فقد كان معظم الساسة الجنوبيين ،قد أكملوا تعليما جامعيا عاليا قبل ولادة هذا الفتى بنحو خمسة عشر عاما وفي أرقى الجامعات العربية والأجنبية ثم أكملوها لا حقا في اكبر جامعات دول المنظومة الاشتراكية.
ولما كان الساسة والقادة الجنوبيون قد تمرسوا على الفعل السياسي والثوري من خلال تاريخ نضالي حافل كما تقول سيرهم الذاتية وكذا من خلال إدارتهم لدولة مدنية ذات مؤسسات حديثة وحزب مدني مشهود له بالكفاءة وحسن التنظيم والإدارة فإن الشاب عبدا لملك الحوثي لم يكن سوى قبيلي يعيش وما زال يعيش في كنف قبيلة ربما لم تتوفر لها حتى فرصة ان تسمع أو تقرأ شيئا عن الدولة أو المدنية أو السياسة كفعل وإدارة.
وعليه وبالنظر الى هذه المقارنات والمقاربات العابرة وغير المنصفة بين الفتى الشيعي القادم من كهوف منطقة كانت إلى الأمس منسية وخارج التاريخ ،وبين سياسيين مخضرمين أكرمهم الزمن بأن جعل منهم رجال دولة مدنية تتمتع بإدارة حديثة موروثة من أفضل الأنظمة السياسية والاقتصادية على مستوى العالم وهي بريطانيا ،فإننا بذلك أمام مقارنة ظالمة للفتى ،وغير عادلة ظاهريا ، لكن وقائع الأرض تثبت عكس هذا وتقف إلى صف هذا الشاب القبيلي الذي لم يعرف الدولة ولم يحظ بالتعليم العالي كما لم يحظ بممارسة الفعل السياسي ولو بعشر ما أتيح لخصومه في هذه المعادلة .
ان ما يظهره عبدالملك الحوثي اليوم من قدرات قيادية جبارة ،ومن حسن إدارة سياسية لمعاركة ،وما يتميز به من تأثير له مفعول السحر على جماعته ،يضعه في مصاف السياسيين المحترفين ،وباعتراف أعدائه قبل أصدقائه ، إذ استطاع ان يجعل من جماعته وطائفته دولة داخل الدولة بل دولة تحتوي الدولة،في حين يبدو السياسيين الجنوبيين إذا ما قورنوا به كهواة سياسة أو مراهقين يعشقون الزعامة وحب الظهور دون ان يكون لديهم ما يؤهلهم لبلوغ طموحهم هذا ولذلك فقد أضاعوا دولة ودمروا شعبا ،وما زالوا يواصلون نزقهم وهواياتهم في الاستمتاع بعذابات هذا الشعب وجراحاته دون ان يعتريهم أدنى خجل من الحال الذي وصلوا إليه وأوصلوا إليه الناس عكس ما يفعل عبد الملك الحوثي.
على القادة والزعماء الجنوبيين ان يعلموا أنهم في مسيس الحاجة لإعادة تأهيل أنفسهم سياسيا ، ونفسيا ،ولا عيب ان هم تمعنوا في تجربة الحركة الحوثية واستفادوا من دروسها ،ليس بمعنى استنساخها أو اتباعها ولكن في قراءة كيف يمكن ان توجد لذاتك قضية من العدم تؤمن بها وتنتصر لها وتفرض على الآخرين الاعتراف بها بدل السخرية منها كما هو الحال معم اليوم.