زمن الإخوان المسلمين .. من خلافة الظل إلى خلاف السلطان
كتب : خالد الكثيري
بفرض طبيعة الظروف الدولية وتوازن القوى بين القطبين العالميين في اعقاب انقضاء عهود نظام الخلافة الإسلامية رسمياً بسقوط آخر قلاع الدولة العثمانية وعاصمتها اسطنبول في عشرينات القرن الماضي ، لم يكن مُهيئا إقامة أي مرجعية إقليمية تلتقي حولها دول وشعوب المنطقة العربية بخصائص وصلاحيات فعلية .
عدا ان حركة الإخوان المسلمين استطاعت ان تبلور شيئاً من قبيل هذه المنزلة إلى حد ما لكونها الحركة الوحيدة التي حملت الاسس المنهجية والنسق التنظيمي الواحد الذي حقق التمدد الأممي إلى سائر دول المنطقة العربية والإسلامية وجمعت حولها قطاعات واسعة في مختلف أوساط الشعوب وباشرت من خلالها شيئاً من مهام هذه المرجعية الأممية التي كانت من مهام الخلافة الإسلامية على الاقل في الحفاظ على سبل الالتقاء والترابط الاجتماعي والتربوي والفكري والقيم المشتركة بين مختلف أقطارها لاسيما في مراحل الهيمنة الديكتاتورية ونظم التغريب والعلمانية في العديد من دول المنطقة .
وعلى طول أكثر من ثمانين عاماً لحركة الإخوان المسلمين كانت ماضية في البناء التنظيمي والتمدد الأممي في مختلف الاقطار العربية والإسلامية وكانت تبدو ثابتة في مسيرتها والتوعية برسالتها ومباشرة أعمالها في شتى المجالات بصمت ودون ضجيج التطلع إلى سدة الحكم في أقطارها .
ومن مصر نشأت دعوتها ومؤسسها الشيخ حسن البنا في العام 1928 م وتشكل قوامها وتفرعاتها بالمنطقة الإقليمية والعالم وفيها وهي القطر العربي الأكبر سكانياً شُكل أكبر وأضخم قوام لتنظيم الإخوان المسلمين عالمياً وكانت الرافد الأكبر للحركة الدولية بالدعاة والعلماء والأكاديميين والباحثين والمفكرين ومن سائر النخب والمصدر الاغزر للرسائل الدعوية والكتب والمؤلفات ،
كما كانت مصر الميدان الاوسع للابتكار والتطبيق للتجربة اجتماعياً في مختلف الجوانب العلمية والعملية والمنهجية لحركة الإخوان المسلمين وبلورة العديد من التجارب في إنشاء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والنشاط النقابي على رأسها نقابات المحامين والأطباء وغيرها من النقابات التي مكنتها من فرص التأثير على مختلف الجوانب العامة بما فيها سبل التأثير على الرأي العام وتوجهه السياسي وتوجيه إرادة الناخبين كما كانت نقابات المحامين تخوض العديد من المحاكمات والقضايا حتى في التحكم بالمعايير الخاصة بالأعمال الفنية والمطبوعات الفكرية والثقافية التي تُعتبر مصر موردها الغزير إلى مختلف دول المنطقة العربية .
وفي الجمهورية العربية اليمنية كان لحركة الإخوان المسلمين أثر بارز في ظهور العديد من رموزها في اوساط المجتمع اليمني وأصبحت لهم اليد الطولى في التحكم بالعديد من مفاصل النظام اليمني لاسيما في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي كان الإخوان المسلمين من اقوى حلفائه لاسيما مع تأسيسه للمؤتمر الشعبي العام في العام 1981 م الذي ضم سائر الاحزاب والتوجهات السياسية وكان الإخوان المسلمين اكبر القوى تأثيرا في قوامه ،
واستحوذ الإخوان المسلمون على مفاصل التحكم والتوجيه للعديد من الوزارات والجهات على رأسها وزارة التربية والتعليم والعدل وتولوا إدارة اجهزة أمنية وعسكرية منها جهاز الأمن السياسي ووزارة الدفاع وألوية بالجيش اليمني ، كما كان للإخوان المسلمين قبائل حاشد أكبر تكتل قبلي مهيمن على مراكز النفوذ في النظام اليمني حد استغلال مختلف الأروقة الرسمية في إرساء دعائم حركة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في المنطقة والمستقر الآمن للجهود الخيرية والأعمال المؤسسية والأنشطة الدعوية إلى جانب التجارب التطبيقية والدور التعليمية على رأسها جامعة الإيمان أولى وأكبر صرح جامعي في خدمة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين .
وفي المملكة العربية السعودية عملت حركة الإخوان المسلمين على ترسيخ أعمالها الدعوية وعلاقاتها الواسعة في مختلف شرائح المجتمع السعودي من الاوساط الشعبية إلى كبار الشخصيات العامة والرسمية والنخب العلمية والعملية وأنشأت اضخم شبكة من الجمعيات والمؤسسات الخيرية من الباطن والعلن بما مكن حركة الإخوان المسلمين من تكوين موردها الأول والمتدفق لتمويل أنشطتها التنظيمية وأعمالها الدعوية والتعليمية والاجتماعية عالمياً والقائمة في الأساس على جباية أموال الزكاة والصدقات والدعم والتبرعات عبر سلسلة طويلة من السبل الفردية والجماعية المنتشرة بالمملكة العربية السعودية إلى مختلف أرجاء الدنيا ،
وكانت المملكة العربية السعودية مورداً عامراً بالأموال للشركات الاستثمارية التي يُنشئها الإخوان المسلمين بأسماء من الباطن في مختلف أرجاء العالم كذلك ساعدت الطفرة النفطية في دول الجزيرة العربية والسعودية خاصة على مساعدة الإخوان المسلمين في ترسيخ تجربة النظام المصرفي الإسلامي وإنشاء العديد من البنوك الإسلامية في مختلف دول المنطقة العربية والإسلامية .
عدا ان اليوم وعلى خلاف ما سلف من عهود للإخوان المسلمين تبدو هذه الحركة في حالة من التوتر في معترك المنازعات على السلطة في عدد من الأقطار لاسيما في مصر وسوريا واليمن واليمن الجنوبي خاصة حركة الإخوان المسلمين اليوم تنتصب في موقف المواجهة والعداء مع الشعوب بصورة أو بأخرى على غير ما كانت معهودة عنها من الروية والنأي عن الخلاف والتنازع على السلطان تغليباً للمصلحة العليا لخدمة اهدافها وتأمين مسيرتها الإستراتيجية بعيدا عن الاضواء ، بيد ان الأغرب في حالة الإخوان المسلمين المتوترة اليوم مع الشعوب في عدة اقطار عربية ان تحظى هذه الحركة الإسلامية بواسطة دولة قطر بالدعم والمؤازرة لمواقفها من قبل الإدارة الأمريكية . "يتبع" هل تأمرك الإخوان .. أم تأسلم الأمريكان !.