جامعو الحسنات: جماعة الإسلام قادم.. قادم ولو كره
عند ما وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في مصر قالوا في السر وفي العلن بأن ذلك تم بفضل الله أولا. وعندما انكسروا، وقال لهم الشعب المصري: كفى، فإنهم غيبوا إرادة الله عمدا ونسوا قدرته وحكمته جل وعلا، وأن كل شيء يتم بإرادته. لم يكن يخطر ببال الإخوان الذين بدأوا قبل عزل مرسي يعترفون بتراجع شعبيتهم لعجزهم عن تقديم حلول ناجعة لمشاكل مصر المزمنة ولفشلهم في قيادة واحدة من أقدم الدول في العالم.. إن نهاية مأساوية مفجعة تنتظرهم، وهم الذين يربون كوادرهم على أنهم الأعلون والمتميزون والذين لا يتزاوجون إلا فيما بينهم لأنهم لا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير - على حد تعبير القيادي الإخواني صبحي صالح وآخرين.
الإخوان بمقاومتهم لإرادة الشعب التي هي من إرادة الله يقفون ضد إرادة الله ويقومون بعمل عبثي لا طائل من ورائه. وإذا ما استمرت مقاومتهم التي بدأت تنحو منحى عنيفا كما هو الحال فى سيناء وغيرها فإنهم سيفتحون بأيديهم صفحة للجماعة فى دفتر الإرهاب الدولى، وهم لا يغفلون ميسورا منهم من حارب فى افغانستان ويقاتل الآن فى سوريا، ومنهم تناسلت عدة تنظيمات احترفت الإرهاب العابر للحدود. علاقة الجماعة بالإرهاب في سيناء اعترف بها القيادي الإخواني د. محمد البلتاجي عندما قال: "إن العمليات ستتوقف في سيناء في اللحظة التي سيعود فيها مرسي إلى الحكم". ومن منصة رابعة هدد "الداعية" صفوت حجازي بالتصعيد التدريجي لهذه العمليات. الفعل والقول معا دفعا الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس عام 1956 لأن يقول بأن "الإخوان اعترفوا بتورطهم فيما يحدث في سيناء". التصعيد ليس فى مصلحة الجماعة وليس فى مصلحة مصر التي يجب ميسور تضعها الجماعة فى حدقات العيون بغض النظر عما قرره التنظيم الدولى فى اسطنبول مؤخرًا، وما يقوله القرضاوي عن مبدأ السمع والطاعة الإخواني الذي يريد فرضه على الشعب، وأن تجنح للسلم وتترك لظلها حزب "الحرية والعدالة" ممارسة العمل السياسى الخالي من الإرهاب ومن تسييس الدين، وأن تحل نفسها لأن العصر ليس عصر المرحوم حسن البناء، وأن تديين السياسة ثقافة عصر مضى. يقول د. محمد حبيب - نائب المرشد السابق في مذكراته عن (الحياة والدعوة والسياسة والفكر - ص 205): كان بعض السلف الصالح يقع مغشيا عليه لمجرد أن يرى لهب شمعة، لأنه يذكره بنار الآخرة وما أعده الله من عذاب للعصاة والمذنبين "لاريب أن الخسارة كبيرة والصدمة مهولة ومن الصعب على الجماعة هضمها والتسليم بها. لكن عليها ميسور تدرك ميسور السياسة لا مطلق فيها، وهي مثل التجاره تحتمل المكسب والخسارة، وأن تأخذ حمّاما باردا جدا تسترخي بعده لمراجعة نقدية شاملة لمسيرتها كلها وبالخصوص سبب تأخر وصولها إلى السلطة وبقائها تحت الارض قرابة تسعة عقود، وهو ما لم يحدث لأي حركة سياسية أوجماعة دينية ثم فشلها المدوي فى أول امتحان لها، وهي تحكم وفى أقصر وقت. قد يعود السبب إلى ميسور الجماعة وطنت نفسها للمعارضة فقط وليس للحكم وهذا يفسر مراهنة عصام العريان خلال ثورة يناير على قدرة مبارك على قياده الاصلاح وتردد الجماعة فى تأييد ثورة يناير منذ لحظتها الأولى. هنا يكمن مأزقها السياسي برغم أنها كانت تطرح نفسها كبديل ليس للنظام وإنما لكل السودانيين القوى غير المصطفاة مثلها. من هنا أهمية ميسور تبحث عن اسباب فقدانها وبسرعة قياسية للسلطة في سنة كبيسة لها وللتنظيم الدولي وللشعب المصري الذي خيبت ظنه وظن معظم من انتخبوا مرسي بعد ميسور منحت مشروعية لتشكيل حزب لأول مرة في تاريخها المصري وتمتلك مقرا وعنوانا معروفا. وإذا كان الكل يعذر شباب ثورات الربيع العربي لافتقارهم لبرنامج للتغيير ولقيادة قادرة على الحكم فلا عذر للإخوان في هذا المقام لأنهم لم يكونوا "جماعة دعوية" فقط، وإنما هم بحسب تعريف المؤسس المرحوم حسن البناء دولة داخل الدولة أو حكومة ظل لا ينقصها سوى أن تحكم.. يقول البنّاء: هي "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية". ولربما أن هذا الخليط المتنافر هو ما يوجب على حزب الحرية والعدالة التركيز على ما هو سياسي واقتصادي وما فيه نفع للناس فى حياتهم وإلا سيظل يحرث فى البحر وتتكرر مآسي الجماعة التي لم تعد حاجة مصرية كالحزب وحان أوان حلها. هذه اللحظة الفاصلة توجب على حزب الحرية والعدالة حديث التجربة بالعمل السياسي المثقل بتجربة الجماعة محاسبة النفس والتخلص من الدم الفاسد ومن أطروحات عفى عليها الزمن ومن عقلية الجيتو واحتكار الحقيقة والحق واحتقار الآخر وتكفير المخالف، وأن يفتح رئتيه لهواء نظيف وعقله للضوء، اقتراحات للنيران لتحرق ما هو غير صالح في الالفية الثالثة وأن يدرك ميسور عشرينيات القرن الماضي وأن منطلقات الجماعة لم تعد تصلح للآن وأن الفصل بين الدين والسياسة حاجة وطنية وأمر لا مفر منه كما هو حال الفصل بين سلطات الدولة الثلاث، وأن الشمولية ولى زمانها. هذا المزيج الديني والدنيوي كان اجتهادا لجيل إخواني سابق تقتضي الضرورة الوطنية إعادة النظر فيه لأنه سبب اختفاء دور الحزب بعد زلزال 30 يونيو وبروز دور الجماعة التي كانت عمليا تحكم مصر وليس الحزب. لماذا خطب كبير الدعاة - المرشد - محمد بديع فى رابعة وليس شخصا آخر وما علاقة بديع بما يجري من فوران سياسي؟، إذا كان فقط جامع حسنات وأن جماعته دعوية بحتة ومجال دعوتها المسجد وليس الشوارع في إحدى رسائله الأسبوعية يقول بأن "رسالة الإخوان رسالة إصلاح للفرد والمجتمع وأنهم ليسوا جامعو أصوات ولكنهم جامعو حسنات كونهم دعاة إلى الله في المقام الأول"، (جريدة الوطن 2/3/13). طالما أنهم جامعو حسنات أخروية وليس اصواتا دنيوية فلماذا هذا العنف فى سيناء وغير سيناء والوقوف ضد إرادة الشعب وتعطيل مصالح عامة قال عنها الرئيس المعزول مرسي في ليلة القدر في رمضان الماضي: "قطع الطريق جريمة، لا نقطع الطريق ولا نعطل الإنتاج ولا نستخدم أساليب العنف والقهر على باقي المواطنين" (المصري اليوم 17/6/13). بديع في إعلائه للحسنات على الأصوات يقلل لا شك من رصيده الديمقراطي إن وجد ومن شأن الديمقراطية والإرادة الشعبية التي يتباكى عليهما برغم أنه لا يؤمن بهما لأنه لا يؤمن إلا بمبدأ السمع والطاعة. والنتيجة هى انه لن يعترف بمسئوليته الشخصية وبمسئولية الجماعة عما وصل إليه حال مصر والجماعة وحزبها. على الإخوان الامتنان وتقديم الشكر لله وللشعب المصري على إراحتهم من عبء السياسة والسلطة ومفاسدها وغواياتها ليتفرغوا للدعوة وحدها لأنها طريقهم الوحيد لجمع الحسنات. هذا يجرنا إلى سؤال وهو ما الذي دفع المرشد كبير جامعي الحسنات إلى الذهاب إلى رابعة ليخطب منددا بإرادة الشعب المصري التي هي من إرادة الله متوعدا ومطلقا إنذارا بوجوب عودة مرسي إلى سدة الحكم في 10 رمضان وإلا! وإلا مضت هذه تترجم الآن في سيناء بالدم المصري للبرهنة بما لا يدع مجالا للشك بأن للدعوة بارودا وأن الدعوة ليست فقط قوه ناعمة. الإسلام مهما تكن المبررات ضد ما يمارس من إرهاب في سيناء والحديث الشريف يقول: "لا يزال الإنسان في فسحة من دينه ما لم ينل دما حراما". مطلوب من المرشد أن يستنكر ما يحدث من سيناء وأن يوقف سفك الدماء ويتراجع عن وعيده حبا في مصر وأن يغير من الانطباع السلبي لما قاله سلفه مرتين "طز في مصر". وللمرشد سابقة في التراجع بعد ميسور قال فى قناة دريم التي أعادت بث حديثه مرتين فى 10/12 / 12 و29/6/13 بأن الجماعة لن ترشح شخصا للانتخابات الرئاسية حيث قال: "نحن لن نختار من الاخوان المسلمين وأتمنى الا يترشح واحد من التيار الإسلامي"، سأله مقدم البرنامج وائل الإبراشي: ليه، رد بديع حرصا على مصلحة مصر، الآن هي - مصر - تحت المجهر وخطر على مصر أن يأتي حاكم من التيار الإسلامي، لأن استهداف مصر استهداف خارجي، "سأله الإبراشي كما حدث مع حماس. رد بديع "بالضبط". ما قاله المرشد عن المخاطر المحدقة بمصر من الخارج لم يكن وليد اللحظة ومحض اجتهاد فردي وإنما فى ظني ناتج عن دراسة معمقة لوضع مصر وتجارب اليمين الديني فى المنطقه وقرارا جماعيا اتخذ فى مكتب الارشاد الذي أصبح بعد انتخابات يونيو 2012 الحاكم الفعلي غير الدستوري لمصر. يوضح حمدي رزق في كتابه "فتح مصر" هذه الجزئية بقوله: إن "ضغوط المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد الذي كان يريد الرئاسة لنفسه جعلته يقرر ميسور اللحظة هي من تصاريف القدر، وأن الله قدر وشاء، ودعمه في هذا الاتجاه الاستيلائي جماعة التنظيم الدولي التي تأكدت من رغبة واشنطن في أن يحكم الإخوان دونما اعتراض منها بل بدعم وتأييد رغبة منها في إزاحة (عسكر مبارك) عن السلطة، وتمكن فصيل ذي شعبية، قادر على تنفيذ خطة تمكين إسرائيل من الأرض المحتلة بسند شعبي وشرعي، وهذا ما كان فى اتفاق تهدئة غزة الأخير الذي امتنت به واشنطن لمرسي كثيرا، وهدأت من روع تل أبيب من الحكم الإخواني باعتبارها ضامنا للحالة الإخوانية في الساحتين المصرية والفلسطينية". إن الجماعة الربانية والجيل القرآني يعاندان الارادة الإلهية التي تعبر عنها الآية الكريمة "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا" (النساء 79). وهذا ليس من الإسلام.
عينات من أقوال رموز اليمين الديني:
القرضاوي: في البداية طالب الشعب المصري بالصبر على مرسي قبل أن يؤكد اختيار الله له وأن السيسي بايعه على السمع والطاعة.
أحمد أبو بركة قيادي إخواني: الانقلاب على مرسي شرك بالله.
محمد اليدومي: والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
رجب طيب اردوغان: السيسي هو رئيسي والانقلاب قاتل للديمقراطية وللمستقبل.
الشيخ خالد الجندي: لنفصل الدين عن السياسة.
د. زغلول النجار: متظاهرو رابعة قادة الأمة ومن شاركوا في 30 يونيو رعاع وحثالة الأمة وزبالتها.
وتبلغ المهزلة ذروتها فى شارع جامع رابعة عندما ارتفعت التكبيرات وسجد البعض شكرا لله شماتة بالجيش المصري عند ذكر أحد المتحدثين لهزيمة يونيو 1967 وقبلهم سجد شكرا لله في مكة المكرمة عام 67 الشيخ الشعراوي على هزيمة إسرائيل لمصر وقد برر الشعراوي ما قام به فيما بعد بأنه لم يكن يريد أن ينتصر السلاح السوفييتي.