شركة عدن للأمن والسلامة

  

تقارير
اقرا ايضا

لماذا تآكلت شرعية رئيس وصل بانتخاباتٍ أنزه ممن سبقوه؟

عدن اليوم - خاص | الثلاثاء 02 يوليو 2013 01:43 صباحاً

يقتضي السوال حول لماذا تآكلت شرعية الرئيس مرسي بسرعة؟ قراءة فاحصة، متحررة من الأفكار المسبقة والضجيج الإعلامي حولنا، لمفهوم الشرعية الذي يعني بتعريف منهجي مبسط وعام: "ما يتيح للشعوب والأفراد أن يقبلوا دون إكراه، سلطة مؤسسة ما، يجسدها أشخاص، وتعتبر حاملة لقيم مشتركة".

لنعد إلى الوراء قليلاً: لقد نجح أنور السادات حيث أخفق عبدالناصر، غير إنه لم يتمكن الحلول محل سلفه في قلوب العرب، بل ولا المصريين، حتى أنه تعرض للتجريح والشتيمة ووضع سياسيا في "محجر". وما من شك أن وصوله للحكم ترافق مع نقمة لا واعية عليه لكونه خلف عبدالناصر، كتلك التي عانى منها كل الذين خلفوا نابليون في فرنسا، وخاصة من حملوا اسمه، غير إن السبب يعود، بشكل أعمق، إلى مسألة الشرعية. 
وهي ذاتها أزمة الرئيس المصري محمد مرسي اليوم.

إنها أزمة شرعية بالمقام الأول. 
فجمال عبدالناصر ورغم كونه رئيساً غير ديمقراطي، ووصل إلى الحكم بانقلاب عسكري واستمر في بواسطة انتخابات مغشوشة،وكانت قوميته مشوبة كثيرا بكره الأجانب، لكنه كان يحظى بشرعية، لا نظير لها، حتى خارج حدود بلاده على امتداد العالم العربي. 
لماذا؟ 
لأنه أعاد للشعب العربي، أو على الأقل حاول صادقاً، كرامته االتي تلقت أشنع إهانة وصدمة في 1948م، وقد تحدى جمال عبدالناصر سنة 1956، بشجاعة خرافية، الدول الاستعمارية الأوروبية وخرج من التحدي ظافرا. 

إن الشعوب تعترف بجميل من يهديها الملحمة والحلم وإعجاب الآخرين. 

كانت الجماهير العربية تجد ذاتها عفويا في عبدالناصر وتطالب بقراراته السياسية كما لو كانت هي التي أملتها. 

الأمر متعلق بالشرعية إذن وليس بالصندوق. 
فالناخبون لا يقترعون تبعا لمضمون ما بل تبعا للثقة التي يمخضونها، أو لا يمخضونها، للشخص الذي يعرضه. 

وكان عبدالناصر شديد التحسس بحرارة سامعيه وبفهم تقلبات المزاج الجماهيري. ورغم إنه كان في نظر الجماهير العربية بطلا من أبطال الإسلام لكن عبدالناصر كان يتحاشى الاستناد صراحة إلى الدين ويحرص على ألا يبرر أفعاله السياسية باستشهادات قرانية، ولم يتبجح قط بأنه الرئيس المؤمن على نحو ما فعل السادات (أو الرئيس المؤذن على نحو ما فعل مرسي). 

وعندما بدا المزاج الشعبي يتغيير عليه، بسبب التحريض السعودي على نحو خاص، فأخذ الشارع المصري يهجس بالكلام البليغ الكاذب الصادر من عواصم محافظة عن عبدالناصر الذي "يفضّل أن يرسل قواته لتقاتل في اليمن بدلاً من النقب أو الجليل". وهو ما يذكر، بتلقائياً، بموقف الرئيس مرسي المتشدد من سوريا والودود مع إسرائيل. وما إن طلب عبدالناصر من الأمم المتحدة سحب قواتها وتمركز القوات المصرية في غزة وشرم الشيخ حتى أخذت الصحف المعاديةأخدذت الصحف المعادية والموالية، على حد سواء وبدوافع مختلفة، تطالب عبدالناصر بإغلاق مضيق ثيران التي تعبر منه شحنات النفط الايراني الى اسرائيل. وبالفعل وتحت ضغط السخط الجماهيري، وتحاشياً له، أغلق عبدالناصر مضيق ثيران رغم إدراكه أن هذا القرار بمثابة إعلان حرب مستنداً إلى تطمينات المشير عامر باستحالة خسارة سلاح الجو المصري أكثر من 30 % من طائراته في حال تلقت مصر الضربة الأولى من اسرائيل غير إن ما حدث بعد شهور، فيما عرف بنكسة 1967م، كان ضرب 90% من الطيران المصري وهي واقفة في المطارات!

والسؤال الجوهري الآن: ما الذي جعل الشعب المصري، بحساسيته العالية ويقظته تجاه وعود قادته، يغفر للرئيس القومي الحالم نكسة 67م المريرة وطحن الجيش المصري في صحراء سيناء وكأنها أمر هين وكأنه تخلف عن تعهده بمشروع النهضة أو الـ100 يوم؟

إنه رصيده السابق
رصيده من الشرعية 
وبخلاف الاخوان وعهودهم للشعب بالنهضة وللمعارضة السياسية بالتوافق على الدستور، فان الضباط الأحرار الذين تعهدوا في 1952 بجعل الشعب المصري ينسى مرارة 1948م وفوا بالعهد ممثلين بعبدالناصر في الاعتداء الثلاثي 1956م. 

كذلك أيضا كانت بريطانيا تطيح بالحكومات المصرية وتشكلها على هواها وقت تشاء رغما عن الملك، وما كان عبدالناصر ليحظى بشرعية شعبه وتأييده، بلا شك، لو لم يقض على النفوذ البريطاني في مصر ويسرح قاعدتها العسكرية، أو في حال سار على نهج الملك فاروق (ذات الشيء فيما يتعلق بمرسي والعلاقة بإسرائيل كامتداد لسياسة مبارك والعهود الزائفة التي قدمت للشعب المصري قبل الانتخابات ونكثوا بها). 

كمال أتاتورك هو مثال أوضح لمسألة الشرعية. 

لقد ألغى أتاتورك الخلافة والملكية، وفصل الدين عن الدولة وأقام علمانية صارمة، واستبدل الأبجدية العربية باللاتينية، وأجبر الرجال على حلق لحاهم، والنساء على خلع حابهن ولم يمانع الشعب التركي وتركه يخلخل عادات عادات ومعتقدات قرون دون كثير من التبرم، 
لماذا؟ 
لأنه أعاد إليه كبريائه. 
فغداة الحرب العالمية الأولى كانت اراضي تركية الحالية موزعة بين جيوش الحلفاء والدول المجتمعة في فرساي تتصرف في الشعوب والأراصي بكل برود وفي تلك الأثناء كان الضابط في الجيش التركي كمال أتاتورك يقول للمنتصرين لا. 
وبينما كان قادة ينوحون بسبب قرارات ظالمة نزلت بهم كان كمال باشا يحمل السلاح ويطرد القوات الأجنبية التي احتلت بلاده ويفرض عليها ان تعيد النظر في سياساتها. 

لقد قاتل أتاتورك الدول الاوروبية وخرج فائزا. قاتل كي يعامل باحترام وندية. وهذا ما صنع له شرعيته كأب لتركيا الحديثة. 

بخلافه كان شاه إيران رضا خان أقل موهبة من النموذج الأتاتوركي الذي أراد الاقتداء، وليم يخفق لأنه أسس نظاما ملكيا لا جمهوريا فحسب، وإنما أيضا لأنه مع اكتشاف النفط الايراني ما كانت الدول الكبرى لتدع إيران تحيا حياتها بسلام! وكون الشاه ارتهن باكرا للدول الكبرى فقد تآكلت شرعيته لدى شعبه فكان كل ما يفعله عرضة للازدراء، فإذا شاء تحديث البلاد عارض الشعب، وإذا حاول تحرير المرأة امتلأت الشوا ع بالحجابات الاحتجاجية. 
ألا يذكر هذا بقرارات الرئيس مرسي وتعيناته المختلفو في جهاز الدولة وكيف قوبلت بالرفض المجتمعي؟

الشي ذاته، رغم عدة فوارق جوهرية، في تجربة الشاب الأفغاني أمان الله الذي وصل للحكم وهو في السادسة والعشرين من عمره بعد قتاله ضد الانجليز وألغى الحجاب وشجع على ظهور صحافة حرة وكان يقود أفغانستان إلى العلمنة قبل الإطاحة به في 1929.

لو نجح عبدالناصر في إلحاق الهزيمة بإسرائيل بعد نجاحه في 1956 كان ليكون شكل العالم العربي اليوم مختلفا. غير إن نكسة 1967 أصابت القومية بمقتل وكانت الحركات الإسلامية وحدها المستفيد الأكبر من هزمية القومية وغلو الماركسية وتطرفها. 

لقد كان صعود عبدالناصر إلى الحكم أهم حدث في تاريخ العرب منذ قرون. 

أمين معلوف 
مقتطفات اخترتها بتصرف من كتابه اختلال العالم .

نقلا عن مدونة محمد عبده العبسي