خلاف يؤذن بتقويض التسوية السياسية : الصراع الذي لم يكشف بعد من كواليس الحوار والبرلمان
قدمت القوى السياسية في اليمن بشقيها المساندة للثورة والمعارضة لها نفسيهما أنموذجًا أمثل باعتبار الحوار هو الوسيلة الوحيدة لفصل ما تنازع عنه منذ بداية الاحتجاجات 2011م، وحتى 20 مارس الماضي، واستبقا باب الحوار بمثالية، أمام الرأي العام المحلي والدولي، حتى لا تقع اللائمة على أحدهما باعتباره مقوضًا للسلم الاجتماعي، ومتمردًا على التسوية الخليجية والدولية.
لم يمر على الحوار الوطني سوى 53 يومًا منذ بدايته في 20 مارس الماضي، حتى صعد المتخاصمون النقد كل منهم على الآخر، على الرغم من تخففهم ما بين تلك الفترة من أي نقد يفضي إلى حد القطيعة، فقد شهد شهر مايو علاقة موتورة بين تكتل اللقاء المشترك وحزب المؤتمر واتهام كل منهما بمحاولة إفشال المبادرة الخليجية، صدره مجلس النواب إلى مؤتمر الحوار الوطني.
بدأ الخلاف بشكل ملحوظ في 11 مايو حين أعلنت أحزاب اللقاء المشترك الانسحاب من جلسات البرلمان؛ محتجين على رفض كتلة المؤتمر في تعديل قانون يتيح انتخاب قيادة رؤساء الأقسام في الجامعات الحكومية، وفي البيان الصادر عن تكتل اللقاء المشترك أعلنت عن مقاطعة جلسات البرلمان حتى يتم "استعادة المشروعية الدستورية والقانونية المفقودة للهيئات القيادية للمجلس، بانتخاب هيئة رئاسة المجلس وأمانته العامة ولجانه الدائمة وفقاً للائحة الداخلية للمجلس ومبدأ التوافق الوطني"، حسب البيان الصادر عن التكتل في 2 مايو، واتهم المشترك حزب المؤتمر في البرلمان أنه يعمل على تقويض التسوية والنقل السلمي للسلطة "بما في ذلك اختطاف مجلس النواب خارج إطار المشروعية الدستورية والقانونية، وإخراجه من منظومة التوافق الوطني التي نصت عليها المبادرة الخليجية"، إضافة إلى "الدور السلبي الذي يمارسه صالح وعائلته في إفشال التسوية السياسية، وذلك من خلال الدور السياسي السلبي المناهض للتغيير ونقل السلطة".
واعتبر البيان أن إغفال البرلمان لمقاطعة المشترك يفقد البرلمان أية مشروعية طبقًا لما تضمنه التوافق الوطني، والتي نصت عليها المبادرة الخليجية، وأن أي اجتماع للبرلمان لا يمثل سوى من طرف واحد، ومخرجاته ليست سوى حزبية من طرف واحد، ولا تمثل قرارا يُعمل به.
حزب المؤتمر يرد والمشترك يُصعد
لاقت تصعيدات اللقاء المشترك حِدة في رد حزب المؤتمر، إذ بدا المؤتمر غير مكترث بانسحاب المشترك من البرلمان، وعمد على مواصلة جلسات البرلمان بقيادة يحيى الراعي، حيث تم مناقشة عدة قضايا من بينها قانون السلطة القضائية، والهجوم على الحكومة ممثلة برئيس الوزراء محمد سالم باسندوة بفشله في قيادة الحكومة والتدهور الأمني المنحدر في الفترة الأخيرة، وهاجم في نفس الوقت سلطان البركاني - رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر - اللقاء المشترك بالسعي للانقلاب على رئاسة البرلمان والاستحواذ عليها.
في المقابل واجهت أحزاب اللقاء المشترك اتهامات المؤتمر وشددت بلهجتها سعي المؤتمر في إجهاض المبادرة الخليجية، ففي 15 مايو قال المشترك - في بيان له: إن حزب المؤتمر "يهدف إلى إفشال المبادرة الخليجية الموقعة بين الأطراف السياسية في اليمن برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إضافة إلى إيقاف الممارسات المخالفة التي يقوم بها رئيس البرلمان المخالفة للقانون ولوائح المجلس وأسس التوافق التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فيما يخص قانون الجامعات وقانون العدالة الانتقالية"، طبقًا لما جاء في البيان.
ولم يقتصر امتعاض المشترك من حزب المؤتمر في البرلمان وعدم قبوله بالتوافق، فقد وجه نقدًا لرئاسة مجلس الشورى نتيجة "لترشيحه هيئة مكافحة الفساد بصورة مخالفة للقانون ولمبدأ التوافق، وليس بعيداً عن ذلك إجراءات اللجنة العليا للانتخابات التي يؤكد المجلس على تمسكه بمواقفه السابقة إزاءها، وأهمها تغيير كادرها الفني وإعادة النظر في هيكلتها بما يخدم ويدعم الشفافية والمصداقية لأية عملية استفتائية أو انتخابية قادمة"، كما جاء في البيان.
صالح يهاجم معارضيه
ازدادت وتيرة الصراع السياسي – ملاسنة - بين الطرفين أكثر، لكن هذه المرة يدخل في خط الهجوم علي عبدالله صالح مستغلاَ الذكرى الثانية لحادثة دار الرئاسة التي استهدفته مع قيادات من نظامه السابق.
وفي 16 مايو ألقى علي عبدالله صالح كلمة رد فيها على اتهامات اللقاء المشترك لحزب المؤتمر برئاسته، التي قالت: إنه يمارس أعمالًا تخريبية لإفشال المبادرة والحوار الوطني، وبحضور مجموعة من العلماء أراد صالح أن يرد الكيل بميزان أثقل مما جاء به المشترك، حيث رد على تهمة العمل للاستحواذ على السلطة: "لو كان يريد السلطة كان سيُحافظ عليها، لكنه سلّمها طواعية؛ حرصاً على عدم إراقة الدم اليمني"، غير أنه وصف من يقوم وراء الجرائم التخريبية التي شهدتها اليمن خلال العامين الماضيين بالقوى "الإرهابية"، إشارة إلى المعارضة ممثلة باللقاء المشترك.
الرجوع إلى المربع الأول
في نفس اليوم - 15 مايو - أصدرت الكتلة البرلمانية لأحزاب اللقاء المشترك بياناَ وجهت فيه اتهامًا ليحيى الراعي وحزب المؤتمر على استمرارهم في عقد جلسات البرلمان في حين لا تزال هي مقاطعة، ووصف المجلس "بفاقد المشروعية بعدم وجود الطرف الآخر في التسوية السياسية، منذ انسحاب الكتل البرلمانية لأحزاب اللقاء المشترك من المجلس في يوم السبت 11 مايو 2013؛ احتجاجاً على الممارسات اللا مشروعة التي يُدار بها المجلس، والمتواصلة تِباعاً خلافاً لمضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وخارج نطاق التوافق الوطني".
وقال المشترك: إن في عدم استجابة المؤتمر لتصرفاته غير المشروعة "تعيد البلاد إلى ذات المربع الأول عشية الثورة الشبابية الشعبية السلمية بكل ما يحمله من دلالة".
وأكد على تعليق مشاركته في أعمال مجلس البرلمان، كما قال البيان: "حتى يتم إعادة هيكلة المجلس، وتصحيح الأوضاع والممارسات الفاقدة للمشروعية التي يُدار بها بزهو وَهْمِ الغلبة خارج أسس التوافق الوطني"، واختتم البيان دعوة عبدربه منصور هادي ومؤتمر الحوار الوطني والدول الراعية للمبادرة الخليجية، وكل من: الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والمبعوث الدولي جمال بن عمر إلى استعادة مجلس النواب و"تصحيح أوضاعه اللا مشروعة المختلة، بما يضمن تفعيل دوره كجزء من عملية التغيير والنقل السلمي للسلطة، وبناء أسس الدولة المدنية الحديثة"، كما جاء في البيان.
التصعيد يصل إلى مؤتمر الحوار
لم تكن القوى السياسية في مؤتمر الحوار في منأى عن الوضع المتوتر في مجلس النواب، فقد سبق وأن حصلت مشادات بفعل الرؤى التي قدمتها في قضيتي الجنوب وصعدة، غير أن تزامن اشتداد الصراع بين المشترك، لاسيما حزب الإصلاح وحزب المؤتمر، مع تقديم رؤية القضية الجنوبية زاد من شدة الهجوم الذي وجهه المؤتمر على الإصلاح.
وفي 18 مايو قدم حزب المؤتمر رؤيته حول محتوى القضية الجنوبية، وكانت الرؤية مشحونة بالهجوم على الإصلاح، إذا اعتبرت الرؤية، حزب الإصلاح - والذي سمته بـ"الاسلاموي" - السبب في تصفية القيادات من الحزب الاشتراكي بعد الوحدة، ذلك أنه "كان يحلم بأن يصل إلى السلطة بشتى الطرق، وأغلبها غير سلمية وغير مشروعة سواء بالتعبئة ضد شريكي الوحدة، وخصوصاً الحزب الاشتراكي اليمني، أو تكفير بعض قياداته"كما تقدمت بها رؤية حزب المؤتمر، واتهمت الإصلاح "بأنه من قام بدعم حلفائه المتطرفين والإيعاز لهم بتنفيذ اغتيالات ضد قيادات جنوبية أثناء الفترة الانتقالية، وخصوصًا بعد فشله الذريع بإسقاط دستور دولة الوحدة الذي اُستفتي عليه في 20 مايو 1991م الموافق 7 ذو القعدة 1411هـ، إضافة إلى شراء السلاح وسيارات المطاردة التي كانت مشهورة في وقتها (الهايلوكس الغمارتين)".
لم تقتصر رؤية حزب المؤتمر باتهام حزب الإصلاح بتنفيذ الاغتيالات، ولكن وجه اتهامًا مباشرًا بأن الإصلاح، الذي وصفته الرؤية بـ(الطرف الأيديولوجي المتطرف)، "مستمر في عمله لشق الصف الوطني بين شريكي الوحدة، ولم يوقفه ذلك حتى بعد انتخابات 1993م التي أصبح بموجبها شريكاً في مجلس الرئاسة وفي الحكومة، وظل على طبيعته من باب الطمع الأكثر للحصول على حصة أكثر، وكان يعتقد أن ذلك لن يتم إلا بإقصاء أحد شركائه، وذلك برفع وتيرة الصراع مع أحد الشريكين، وكان هدفه الرئيس هو الحزب الاشتراكي اليمني، وقد نجح في ذلك إذ كان هو السبب الرئيس في الوصول إلى التراكمات التي فجرت حرب صيف 1994م، وكانت من أبرز المشاهد في هذا السلوك الجشع والمتطرف تلك الفتاوى الظالمة وعمليات النهب والسلب الواسعة (التي سماها بالغنائم)، والتي قام بها هذا الطرف والمحسوبون عليه للمؤسسات العامة في الجنوب والمعسكرات والمنشآت العامة والأراضي، وحتى بعض بيوت قيادات الحزب الاشتراكي الخاصة، والتي ما زالت تحت سيطرة بعض قياداته حتى اليوم".
وقد شهدت اليمن خلال شهر مايو تحطيمًا لأعمدة الكهرباء في مناطق متعددة في محافظة مأرب من قِبل - حسب ما وصفهم هادي الأحد الماضي - بـ"المخربين".
غير أن تخريب الكهرباء وقطعها لم يكن بعيدًا عن التوظيف بين المؤتمر والإصلاح، فحين يرجع الإصلاح بأن المؤتمر وراء تحطيم الأعمدة الكهربائية في مدينة مأرب؛ يتهم المؤتمر الإصلاح بأنه وراء التخريب حسب ما ورد في صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لنجل علي عبدالله صالح - الأحد الماضي.
تصعيد مذهبي
توسعت دائرة الصراع في ظل هشاشة الوضع الأمني في شهر مايو إلى اشتباكات مسلحة، ففي شمال الشمال اتهم حزب الإصلاح الحوثيين بممارسة تعذيب من يخالفونهم في المذهب والرأي.
وفي 19 مايو حذر حزب الإصلاح - في بيان نشره - جماعة الحوثي بما قال: إن "جماعة الحوثي اقتحمت عددًا من المساجد ومنازل المواطنين والتضييق عليهم وتقييد حريتهم واعتقال العديد منهم وممارسة أبشع صنوف التعذيب بحقهم في السجون والمعتقلات الحوثية" - حسب ما جاء في البيان، واتهم الإصلاح جماعة الحوثي باقتحام دار القرآن التابعة له ومسجد مصعب بمنطقة الطلح بصعدة واعتقال خطيب المسجد وليد عيظة، إضافة إلى احتجاز مراسل قناة "سهيل" ومصورها.
وكان محمد شبيبة - عضو الحوار - ممثلا عن السلفيين في 5 مايو – قال: إن جماعة الحوثي أطلقت الرصاص على معمر الرازحي، أحد السلفيين في صعدة، وقد فقد إحدى عينيه بفعل طلقة رصاصة من قِبل الحوثيين.
في المقابل يتهم الحوثيون مع حزب المؤتمر حزب الإصلاح بالسعي لأخونة الدولة والاستيلاء على مفاصل الحكم والسيطرة على الوزارات، والتي تمثلت في إعلان معهد القضاء في منتصف شهر مايو قبول مجموعة من خريجي جامعة الإيمان.
خلاصـة..
مر شهر مايو إذن بتصعيد ملحوظ بين القوى السياسية بعد أن مضى عليهم في الحوار ما يقارب الشهرين، وإذا كان الخلاف قد بدأ من البرلمان اليمني بسبب إقرار قانون الانتخابات للجامعات اليمنية وانتهاء بانسحاب اللقاء المشترك ثم تلتها تصعيدات كلامية، وانتقال الخلاف إلى مؤتمر الحوار الوطني بين حزب المؤتمر وحزب الإصلاح؛ فإنه مما يساهم في القضاء على التسوية السياسية أن يصل الخلاف ميدانيًا، المتمثل في اشتباكات مسلحة بينهما، ما لم يتدخل الرئيس هادي والدول الراعية للتسوية اليمنية.
وتتمثل نزع فتيل الخيط الموتور بين الأطراف السياسية بالتالي:
أولًا- تدخل الرئيس هادي في الخلاف الدائر بين كتلة المشترك والمؤتمر بما له من صلاحية ما دام والبرلمان لم يعد لديه شرعية في حكومة توافقية باعتبار الحوار الوطني هو صاحب السلطة المنبثقة عنه حل جميع الأمور الخلافية.
ثانيا- فرض سيادة الدولة في جميع مناطق اليمن بما فيها مدينة صعدة، والتي ما زالت الدولة مغيبة عن ممارسة مهامها حتى تقضي على التصعيد المذهبي بين الإصلاح والسلفيين، مع جماعة الحوثي.