تقرير : الخطـر الحقيقي من الفدرالـية على حرية واستقلال وسيادة الشعوب
■ الفدرالية :هي كلمة غير عربية تعني (الاتحاد ) كأقرب عبارة لها ، وهي في الحقيقة ، تعني شكلا محددا من أشكال الاتحاد { هناك أربعة أنواع للاتحادات اتحاد شخصي ،اتحاد حقيقي ، اتحاد كونفدرالي ، وأخيرا اتحاد فدرالي وهو أقواها } ؛ فهي لا تعني ( التجزئة و الانفصال ).
لغوياً الفدرالية هي كلمة لاتينية الأصل وهي مشتقة من كلمة (فيديرا ) وتعني الثقة وكلمة (فويدوس) تعني الاتحاد . ونجد تسمية الإقليم الفدرالي توحي لنا بانطباع إنها تميل إلى الانفصال و الاستقلال من حيث التسمية بينما هي ذات طابع وثيق متحد .
الدولة الفدرالية هي نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة في أغلب الأحيان ، عن بعض صلاحياتها و امتيازاتها و استقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها الأخير في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي و الدفاع والسياسة الخارجية .
و الفدرالية على أنواع و درجات متفاوتة في الأشكال و الصيغ التطبيقية ( طبقا لدستورها ) ، إذ تتراوح ما بين وحدة مطلقة أو الاتحاد ما بين مجموعات متمايزة تماما ، وتتمتع بحرية تكاد تصل حتى حق الانفصال .
و التمثيل الشعبي في الدول الفدرالية يكون عادة على مستويين يتجسدان في نوعين من المجالس التمثيلية : مجالس منتخبة مباشرة من الشعب ، و مجالس أخرى لها صفات فدرالية موحدة .
الدولة الفدرالية تقوم هيكلتها الحكومية على كل من حكومة مركزية وحكومات موجودة في وحدات سياسية أصغر تدعى بالولايات أو الأقاليم .
يوجد في العالم حوالي 28 دولة فدرالية ، أقدمها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت كونفدرالية فتحولت إلى الفدرالية ، بينما تسمي دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها فدرالية ، ولكن لها العديد من ميزات الكونفدرالية .
الوسيلة الأساسية في فض المنازعات بين الأقاليم الفدرالية هما سبيلين : انتخابية و قضائية ، ولكن في حالة السيطرة عليهما من قبل إقليم على حساب الآخر و بالتالي ترجح كفة إقليم على آخر و هنا مكمن المشكلة .
اصدر القاضي قاسم حسن العبودي كتابا بعنوان ( الثابت و المتحول في النظام الفدرالي ) حيث أشار في مقدمته من خلال دراسته للنموذج السويسري و التمعن فيه { إن القضية ليست قضية تسميات وهي أوسع من التنظير أو تحديد إطار نظري لشكل الدولة الفدرالية ، بل استطيع إن اجزم إن النظام الفدرالي ليس نظاما قانونيا صرفا ، بل هو نظام واقعي يخضع لكثير من التدابير غير المتناسقة في سبيل احتواء نزعة الاستقلال والانفصال وتعزيز مفهوم التعايش السلمي } .
■ أسباب أو طرق تشكل الفدرالية :
ممكن حصرها في طريقتين ، هما :
1/ انضمام مجموعة من الدول المستقلة إلى بعضها البعض واشتراكها في السيادة على قطاعات محددة مصالحها المشتركة تفرضها، مثل : الولايات المتحدة الأمريكية ، سويسرا ، و استراليا .
2/ تطوير نظام دولة من النمط المركزي إلى النمط الفدرالي بسبب احتمال حدوث انفصال قد تقوم به الأقليات ، مثل : الهند ، كندا ، اسبانيا ، و بلجيكا .
■ نتائجها :
1/ كأجراء وقائي لمنع حدوث انفصال أي إقليم بأي شكل من الأشكال .
2/ استقرار الدولة بميلها نحو مركزية الدولة كشكل من أشكال الحركات الاتحادية .
3/ ضمان تقديم المواطنين في جميع الأقاليم الولاء للإطار العام للدولة جنبا إلى جنب مع ولائهم لولاياتهم .
4/ التوزيع العادل للثروة لصالح إقليم فقير على حساب إقليم آخر غني .
5/ هيمنة الأغلبية بفرض تعديلات على الدستور وفرض القرارات الخاصة بالدولة الفدرالية إذا ما كانت طريقة انتخاب هذه الأغلبية عن طريق التوزيع السكاني فتكون لمصلحة إقليم ذو كثافة سكانية على حساب إقليم آخر اقل سكانا . ولكن توجد نماذج أخرى من الفدراليات تعمل على تقليص سلطة الأكثرية .
6/ تمتلك أجهزة السلطة التنفيذية في أقاليم الدول الفدرالية و وحداتها الإدارية استثناءا ، حيث يكون نشاطها محكوما بقواعد الإلزام ( وحتى الإكراه أحيانا ) ، في شكل من أشكال التدخل الفدرالي ( للحكومة المركزية ) على الأقاليم ضمن إطار الاتحاد الفدرالي .
7/ امتلاك الحكومة الفدرالية المركزية للسلطة القضائية ومنعها عن أقاليم الدولة ، وتظل ضمن الرقابة الدستورية ومنع أجهزة القضاء من الاستقلالية .
ثانيا : كيف هي الفدرالية بين الوحدة والانفصال ؟
■ الوحدة بعد فترة نزاع مسلح :
تفرض عملية إقامة الوحدة بعد فترات النزاع المسلح تحديات خاصة . وقد تصبح الفدرالية جزءا من خطة أو إستراتيجية السلام وضمان لعدم انفصال أي إقليم بعد فترات النزاع المسلح .
لقد ظهرت غالبية الأنظمة الفدرالية التي تأسست منذ فترة طويلة بطريقة سلمية . و تعتبر سويسرا استثناء للقاعدة : إذ إنها أصبحت اتحادا فدراليا بعد صراع قصير بين كانتونات الاتحاد الكونفدرالي السابق . و قد شهد عدد من الأنظمة الفدرالية فترات عنف داخلية ك الحروب الأهلية بشأن الانفصال في الولايات المتحدة و نيجيريا ، الثورة المكسيكية ؛ و العديد من الصراعات الأرجنتينية و البرازيلية ، و المقاومة في بلاد الباسك في اسبانيا . و يحدث عادة انقسام كبير داخل المجتمعات بعد مثل هذه الصراعات ، و قد يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تعود السياسات إلى وضعها الطبيعي ، و بالتالي فان مشكلة الانفصال في كافة البلدان الفدرالية المذكورة تم منعها أو خفت حدتها إلى حد كبير .
لقد شهدت السنوات الأخيرة ، تجارب عديدة تضمنت التدابير الفدرالية كجزء من خطط السلام بعد فترات الصراع : فالبوسنة و الهرسك و السودان و جمهورية الكنغو الديمقراطية و العراق كلها تبنت مؤسسات فدرالية أو التزمت بتطبيقها الذي قد يأخذ فترة طويلة ، غير إن التنفيذ كان صعبا وظلت الأوضاع غير مستقرة ، بل إن بعضها فشل فشلا ذريعا مثل السودان التي أدت إلى انفصال الجنوب وهو سيناريو أدى إلى مزيد من الاقتتال قبل وبعد الانفصال كما نرى هذه الأيام على مناطق النفط ، سنأتي في طريقة حدوثه لاحقا . ويتم حاليا التفكير في الفدرالية في نيبال بعد انتهاء التمرد الماوي بها و كحل محتمل للصراع في سريلانكا . فشل التحدي في مثل هذه الحالات ، يعود إلى عدم تحقيق مستوى الثقة أو الاستجابة المتبادلة لطلبات الطرف الآخر اللازمة للسماح للمؤسسات السياسية بالعمل بدرجة معينة من الاستقرار ، يضاف إلى ذلك إن هذه الدول تفتقر عادة ، على المستوى الإقليمي ، للقدرات السياسية أو الإدارية الراسخة ، ( وهو السيناريو المحتمل حدوثه هنا بين الجنوب العربي و اليمن ) ، يؤدي إلى مزيد من تدمير للإقليم المتراجع عن الفدرالية بعد الاتحاد الفدرالي و مزيد من الحروب كما هو الحال في السودان .
■ مسألة الانفصال عن الدولة الفدرالية :
لا يوجد منهج دستوري قياسي للتعامل مع احتمال حدوث الانفصال ، ــــ وهنا منبع الخطر ــــ ،فالكثير من الدساتير الفدرالية تستبعد هذه الاحتمالية بل تحاربها وتتهم طرفها بالخيانة للحكومة الفدرالية الدستورية . لذلك إن تطوير إجراءات ديمقراطية للانفصال يطرح قضايا كبيرة .
تتضمن الكثير من الأنظمة الفدرالية نصوصا دستورية تؤكد على الوحدة الداخلية للبلاد أو تمنع احتمال الانفصال . و تعد كل من الولايات المتحدة ( التي تمثل ـــ اتحادا غير قابل للتدمير ـــ ) و المكسيك والبرازيل و نيجيريا و الهند و أسبانيا أمثلة على ذلك. ( تحضر أسبانيا أيضا على مجتمعات الحكم الذاتي إجراء استفتاءات شعبية بشأن الانفصال ) ، وفي حالات أخرى ، مثل استراليا و ألمانيا و سويسرا ، لا يذكر الدستور أي شيء بشأن هذه المشكلة . أي إن الفدرالية تقام على أساس تأكيد على الوحدة و رابط وثيق للإقليم تمنع انفصالها بأي شكل من الأشكال . حيث وفر السودان إمكانية إجراء استفتاء شعبي على استقلال جنوب السودان بعد فترة العشر سنوات الانتقالية التي نصت عليها اتفاقية السلام والتي يتم خلالها وضع ترتيبات للمشاركة في السلطة وتطبيق الفدرالية ، ولكن الاستفتاء على استقلال جنوب السودان كان حاسما وسمح لمزيد من احتمالات الصراع بين الإقليمين طويلة الأمد خصوصا على منابع النفط . ونلفت العناية هنا إن تحول جنوب السودان من الفدرالية إلى الانفصال تتطلب ذلك حرب أهلية هي الأطول من نوعها في تاريخ إفريقيا ، لا تزال البلاد تعيش فصولها حتى اليوم ، حيث نال الجنوبيين الفدرالية مع شمال السودان في 25 مايو 1969 برئاسة جعفر النميري الذي اعتبرها حل لمشكلة جنوب السودان ، ولكن مع استمرارية حروبهم بعد هدنة قصيرة ، حتى حصولهم على الانفصال هذا العام وبعد حروب وويلات .
■ نظرة القانون الدولي بأحقية انفصال أي إقليم عن الاتحاد الفدرالي :
أولا ما هو القانون الدولي ؟ : القانون الدولي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول التي تدعي لنفسها السيادة ولا تعترف بأي سلطة أعلى منها . فالقانون الداخلي للدولة هو قانون طاعة و امتثال وفرضه بالقوة ، أما القانون الدولي فأنه على النقيض من ذلك يعد قانون تنسيق يكتفي بتجنيد التعاون بين الدول .
و يعترف القانون الدولي بحق الانفصال كحق شرعي فقط في حالات الانتهاكات لحقوق الإنسان الخاصة بالسكان !! .
وعادة يتخذ المجتمع الدولي موقفا عدائيا تجاه الانفصال لأنه يمكن إن يتسبب في توتر العلاقات الدولية . ففي إفريقيا ، حيث تمر الحدود السياسية عبر العديد من الجماعات العرقية ، من الممكن إن يؤدي حق الانفصال إلى تدمير الهيكل الكلي لدول القارة الإفريقية . و على الرغم من ذلك ، كانت هناك حالات انفصال أو تفكك للبلدان في العقود الأخيرة ــ من ضمنها الاتحاد السوفيتي السابق ، و يوغسلافيا ، و تشيكوسلوفاكيا ، و باكستان ، وماليزيا ( هو في الواقع طرد لسنغافورة ) وإثيوبيا( اريتريا ) .
أي إن لابد من حدوث كوارث مثل انهيار اقتصادي لحدوث الانفصال أو تفكك الأنظمة الفدرالية ، بل إن دولة من أكثر الديمقراطيات في العالم مثل كندا عملت على إحجام انفصال مقاطعة الكيبيك ، حيث أصدرت المحكمة العليا في كندا حكما بأنه في حال قيام أغلبية واضحة في إحدى المقاطعات بالتصويت على سؤال واضح لصالح الانفصال فان ذلك يعطي المقاطعة الحق في السعي تجاه الانفصال من خلال المفاوضات ، بدون أي نتائج محددة مسبقا بالقانون . و يجب إن تعمل المفاوضات على التوفيق بين حقوق أغلبيتين شرعيتين على إن يكون القرار النهائي لهذه المفاوضات سياسيا . و هكذا ، فقد توصلت المحكمة لشيء أقل من الحق في الانفصال ، و لكنها أعطت وزنا معنويا لأي تصويت واضح إلى جانب الانفصال .
خلاصة الكلام هو إن حدوث الانفصال بعد قيام اتحاد فدرالي بين إقليمين أو أكثر هو احتمال ضعيف و يعتمد على كيفية صياغة دستور الدولة الفدرالية و محتواه ؟!! . الحكومة الفدرالية هي حكومة دستورية الذي دستورها يختلف من دولة فدرالية إلى أخرى ، وهل يسمح بهذه الاحتمالية الانفصالية في ظل عدم تأييد دولي و محاربة دولية ضد انفصال أي إقليم عن الاتحاد الفدرالي لعدم وجود مصلحة دولية أو انتهاكات لحقوق الإنسان و العمل على منعه في حالة انه يشكل تهديد أو توتر في منطقة ــ خصوصا لو كانت نفطية ــ . إذا السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الزاوية هو كيف يمكن وضع دستور فدرالي يوفر فرصة ولو كانت ضئيلة لقيام الانفصال عن الاتحاد الفدرالي ؟؟ ، فانفصال أي إقليم عن الدولة الفدرالية يعتمد أساسا على دستورها الفدرالي هل يسمح بذلك أو لا ؟؟!.
ثالثا : ماهي شروط أو متطلبات انفصال أي إقليم عن الاتحاد الفدرالي ؟
(1) طبيعة الدستور الفدرالي :
= الأسس الدستورية للفدرالية :
يجب إن يرتكز الحكم الفدرالي الفعال على أساس دستور مدون وسيادة القانون . يضع الدستور الإطار و المبادئ الأساسية للنظام الفدرالي . وقد يكون للدستور أهمية رمزية في تعزيز الوحدة أو الخلاف و الشقاق داخل البلاد أي أما إن يكون العقدة أو الحل . و تتباين الدساتير الفدرالية إلى حد كبير في طولها ، و مدى التحديد و التوضيح في موادها وسهولة استخدامه من قبل المواطنين .
تتباين الدساتير الفدرالية بشكل هائل . وتمتلك عادة الأنظمة الفدرالية الأقدم دساتير أكثر إيجازا من تلك التي تم وضعها منذ منتصف القرن العشرين .تتسم الدساتير الأقدم غالبا بعدم الفاعلية أو عدم الوضوح ، حيث تميل الدساتير الأكثر إيجازا إلى الاتسام بمرونة اكبر من تلك الدساتير المشتملة على قوائم شديدة التفصيل ، وهنا منبع الخطورة و ما إذا كان الدستور مختصر ممكن التلاعب به أو مفصل بقوانين تتيح الحرية أكثر للأقاليم في حالة إذا ما طالبت بالانفصال . كما يمكن إن تتخذ التدابير الدستورية بتعريف الدولة و توحيدهم حول الدستور برابط وثيق و بشكل إجباري وخاضع لهم . وقد توضع أحكام دستورية تفصيلية أكثر تشديدا بواسطة الأغلبية المطلوبة لأي تعديل دستوري منشود تمنع الانفصال مستقبلا.
= سلطات الطوارئ وسلطات خاصة غير فدرالية :
تستطيع الحكومة الفدرالية المركزية أو الهيئة التنفيذية الخاصة بها ، في بعض الأنظمة الفدرالية ، إلغاء التدابير الدستورية العادية في ظل ظروف خاصة ، كحالات الطوارئ مثلا . وعلى الرغم من إن هذه السلطات يكون لها ما يبررها في ظل ظروف محددة ، إلا أنه قد يساء استعمالها للتحايل على روح وجوهر الحكومة الدستورية .
اعتبرت بعض الأنظمة الفدرالية نظرا لحصول حكوماتها المركزية على سلطات استثنائية بهدف التدخل في اختصاص الوحدات المكونة ، ويمكن إن تأخذ هذه السلطات شكل سلطة طوارئ ، تستطيع عن طريقها الحكومة المركزية تعليق أو حل حكومة في وحدة مكونة ، كما حدث في الهند عندما قامت الحكومة الفدرالية بحل حكومات محلية لأنها دعت إلى انفصال أقاليمها عن الاتحاد الفدرالي .
= الحقوق في الدساتير الفدرالية :
هناك تنوع هائل في أنواع الحقوق المدونة في الدساتير ( بل وممكن التلاعب بها لمصلحة أشخاص في حالة الدساتير الكلاسيكية المرنة ) وكذلك في طريقة التعبير عنها ، فهي تختلف من دستور فدرالي إلى آخر . أما الحقوق الكلاسيكية فهي سياسية ( حرية التعبير ، و التجمع ، و الصحافة ، و الدين ) و قانونية ( الحماية من الاعتقال ، والاحتجاز التعسفي ، وقواعد الإجراءات القانونية ) و قد تكون اقتصادية ( حق الملكية ) . و تتضمن بعض الدساتير بيانات طموحة للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ( للتوظيف ، و الالتحاق بالمدارس ) . لذلك قد يكون تفسيرات المحاكم لنصوص الدستور الخاصة بالحقوق يعتمد اعتمادا كبيرا على ما طرح فيها ، فالدساتير الأقدم تحتوي عادة على قوائم حقوق أكثر إيجازا وكلاسيكية ممكن التلاعب بها ، في حين تحتوي الدساتير الأحدث ( أو تلك التي تم تعديلها مؤخرا ) على قوائم أطول لا تغطي الحقوق الكلاسيكية فحسب و لكنها تغطي كذلك الحقوق العديدة الهامة ، لذلك هنا السؤال يطرح نفسه إذا لا قدر الله و أصبحنا دولة فدرالية فالحقوق قد تضيع من أملاك و غيرها إذا وضعت بإيجاز بحيث ممكن التلاعب بها بشكل مرن و تضيع بذلك حقوق الجنوبيين التي ضاعت و الاعتماد على تجنب ذلك في المجهول هو خطر حقيقي .
= دور المحاكم و خصائصها :
إذا أخذنا في الاعتبار أهمية التفسير القضائي للدستور الفدرالي ، فأن شرعية المحاكم تعتبر قضية رئيسية ، وسوف تتأثر بكيفية تعيين القضاة . حيث إن هناك دائما بعد آخر له طابع سياسي في تعيين القضاة ، ولذلك من الممكن إن يتأثر التوازن داخل المحكمة بالآراء و الميول السياسية للجهات التي تقوم باختيار القضاة . فنجد في بعض الأنظمة الفدرالية استقلالية المحاكم أو كفاءتها تتسمان بالضعف ــ بل و أيضا تتأثر بشدة بالسلطة التنفيذية أو أنها عرضة للرشاوى.
(2) دور و تأثير الحكومة الفدرالية المركزية على الحكومات المحلية للأقاليم :
الدول الفدرالية تقوم هيكليتها الحكومية على كل من حكومة فدرالية مركزية و حكومات موجودة في وحدات سياسية اصغر تدعى بالولايات أو الأقاليم . تتمتع الحكومة المركزية ، في بعض الأنظمة الفدرالية ، سلطات تشريعية قوية على الوحدات المكونة ( الحكومات المحلية ) و إكراهها على الإذعان و الطاعة ، فنجد إن الولايات المتحدة تجمع العديد من سمات الفدرالية بالإكراه ، و بالتالي تعتمد الولايات اعتمادا كبيرا على ممارسة الضغط داخل الكونجرس لتعزيز مصالحها . إن بعض الأنظمة الفدرالية شديدة المركزية ، مثل ماليزيا ، لا يوجد بها سوى القليل من الحوار القائم على هيكلية ثابتة بين الحكومات ، لان الوحدات المكونة ( الحكومات المحلية ) ضعيفة للغاية . بل إن الكثير من الدول الفدرالية كانت في بدايتها تعطي صلاحيات أوسع لحكومات الولايات وبمرور الوقت تلاشت و تم القضاء عليها بشكل كبير الآن لصالح الدور المركزي للدولة . وفي حالة تعديل الدستور ، يتطلب في معظم الأنظمة الفدرالية أغلبية خاصة ( وليس دائما بموافقة حكومات الوحدات المكونة أي حكومات الإقليم ) .
و أيضا نلفت الانتباه إن بعض الدول الفدرالية التي بدأت بدساتير فدرالية ذات طابع لا مركزي إلى حد كبير تطورت مع الوقت لتصبح أكثر اندماجا و مركزية كالولايات المتحدة الأمريكية .
(3) دور الديمقراطية في الدولة الفدرالية :
قد تكون الفدرالية زائفة في بلاد غير ديمقراطي تربط أكثر من إن تحل و بالتالي يلزم الفدرالية نظام ديمقراطي للحصول على أقل وأبسط الحقوق وهو مستحيل في ما يسمى بفدرالية اليمن . ومن أمثلة الدول الفدرالية الزائفة ذو نظام غير ديمقراطي الاتحاد السوفيتي السابق و بعض الدول الأوربية في المعسكر الاشتراكي حيث كان احد أسباب انهيارها بالإضافة للمشكلة الاقتصادية .
بينما تتطلب الديمقراطيات الفدرالية احترام سيادة القانون وحقوق الأقليات وعنصر الهوية المشتركة .
(4) عدم وجود قانون دولي يقف بجانب الأقاليم المنفصلة عن الدولة الفدرالية :
نجد هنا إن القانون الدولي يقف مع انفصال الأقاليم الفدرالية في حالات استثنائية كانتهاك حقوق الإنسان فقط ، واعتماده على مصالح دولية بعيدة عن توترات تؤثر على دول المنطقة المحيطة بالدولة الفدرالية ، فما بالك لو كانوا ـــ دول الخليج العربي ـــ وموقع الجنوب العربي و سيطرته على منفذ باب المندب وفي واجهة القرن الإفريقي المتمثل بالصومال وحروبه والقاعدة في جزيرة العرب .
(5) الموافقة الطوعية من جانب المواطنين في أقاليم الاتحاد الفدرالي حول الفدرالية وعدم إجبارهم عليها ، ولتطبيق عمليات المراقبة والموازنة لتجنب مركزية السلطة السياسية في تأثيرها على اختيار المواطنين .
و الخوف تكرار سيناريو قيام الوحدة اليمنية و ذلك بفرض الفدرالية على الجنوب العربي سياسيا من دون استفتاء شعب الجنوب لتكون المأساة أكبر من الأولى .
(6) تقاسم الثروة :
استخدام نظام تحويلات التعادل في الأنظمة الفدرالية التي بالتالي تسمح بمزيد من سرقات ثروات الجنوب العربي بهذه المسميات ، فلقد لوحظ إن الفروقات الكبيرة في الثروة بين الأقاليم المكونة للاتحاد الفدرالي ، قد يتم استغلاله عند تحويلات التعادل ، ويتم هذا من خلال التحويلات الفدرالية إلى الوحدات الإقليمية الأكثر فقرا .
♥♥♥ الخلاصة :
و بذلك تلزم الفدرالية في تحقيقها هذه الشروط الستة و التي في اعتقادي مستحيل الحصول عليها أو تقبل بعضها في استحالة تكوين ما يسمى باليمن الفدرالي ، بل و المستغرب كيف ممكن الربط بين اسمين غير مندمجين مثل الجنوب العربي و اليمن بأسم جديد مثلا جمهورية اليمن المتحدة فهو الخطر بعينه بإلغاء تسمية الجنوب نهائيا فيما إذا حاول الجنوب العربي بفك الاتحاد الفدرالي في المستقبل ، هذا إذا ما توفرت كل الاحتياطات اللازمة من دستور مفصل يسمح بذلك و دعم إقليمي ودولي وحكومة مركزية اقل تشددا و أكراه على حكوماتها المحلية وبوجود ديمقراطية حديثة و استفتاء شعبي وعدم سرقة ثروات الجنوب (ــــ وهذا كله مستحيل ــــ) و بالتالي يوفر هذا الاسم الرابط الوثيق للدولة الفدرالية وضياع حلم الجنوب العربي وخيانة لدماء شهداء جنوبنا الحبيب ، و الخيار هنا لشعب الجنوب أما نيل استقلال الجنوب أو خيار الرابط الفدرالي الوثيق ؟؟!.
*** المصادر :
1/ مقدمة عن الفدرالية ــــ جورج أندرسون ــــ الرئيس و كبير المسؤلين المتنفذين بمنتدى الاتحادات الفدرالية .
2/ الأنظمة الفدرالية ــــ رونالد ل . واتس .
3/ الثابت و المتحول في النظام الفدرالي ــــ القاضي العراقي / قاسم حسن العبودي .
4/ الدستور الأمريكي .
5/ معجم علم السياسة و المؤسسات السياسية ــــ بياربيرنيوم .
6/ موسوعة ويكيبيديا الحرة .
7/ بعض المقالات الصحفية حول الفدرالية .