معهد واشنطن.. (الحوار الوطني في اليمن و تنظيم القاعدة)
يمنح "مؤتمر الحوار الوطني" الذي بدأ في صنعاء في 18 آذار/مارس، فرصة لليمن لكي تسعى إلى إجراء إصلاحات أساسية على مدى الأشهر القليلة المقبلة. ومع ذلك، فهو يعطي أيضاً فرصة للولايات المتحدة خلال هذه العملية تعمل فيها واشنطن على مساعدة شخصيات قيادية على التركيز على هزيمة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بصورة شاملة. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهود إصلاح دقيقة ومتزنة توائم مصالح الدولة مع تلك التي تهم القبائل والجماعات الأخرى التي تسامحت مع تنظيم «القاعدة» أو دعمته في الماضي.
الخلفية
يشكل الحوار الذي طال انتظاره مكوناً مركزياً للتسوية التي تم التوصل إليها بوساطة "مجلس التعاون الخليجي" في عام 2011 والتي سهلت نقل السلطة إلى حكومة جديدة في اليمن. ويهدف المؤتمر الذي يستمر ستة أشهر أن يكون منتدى سلمي للجهات المعنية لمناقشة القضايا المركزية التي تؤثر على استقرار البلاد، كما سيقيم سلسلة من مجموعات عمل من المقرر انعقادها في إطار الإعداد لإطار يشبه البرلمان. وتشمل بنود جدول الأعمال الرئيسية صياغة دستور جديد يعالج تداول السلطة والعائدات بين المحافظات اليمنية المتشاكسة، وكذلك التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في شباط/فبراير 2014.
لقد بُذلت جهود كبيرة لضمان أن تشمل العملية جميع الجهات المعنية الرئيسية في البلاد، بما في ذلك الشباب والنساء والحوثيين (مجموعة قبلية /دينية في شمال البلاد كانت قد خاضت كفاحاً مسلحاً طويل الأمد ضد الحكومة)، والجنوبيين (الكثير منهم يتذكر باعتزاز أيام حكومة جنوب اليمن المستقلة ما قبل عام 1990) ورجال القبائل والأحزاب السياسية الرئيسية. [وبالطبع] إن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» هو أبرز المستبعدين، ولكن من المؤكد أن هناك شعور بوجود تأثير لهذه الجماعة؛ وسوف يتطلب التوصل إلى سلام دائم إيجاد طرق للحد من هذا التأثير.
الدعم المتأصل لـ تنظيم «القاعدة»
إن إرث الرئيس السابق علي عبد الله صالح -- الذي استمر حكمه ثلاثة عقود -- يلقي بظلاله على "الحوار الوطني". فقد كان أسلوبه القيادي قد أكد على الاستبدادية الشاملة، حيث استمال المنافسين السياسيين من خلال إدماجهم في نظام السلطة والمحسوبية القائم في الدولة. وفي كثير من الأحيان شحن مختلف الفصائل والقادة ضد بعضهم البعض باتباعه سياسة "فرق تسد". كما استعمل الضغط وحتى القوة للحصول على ما يريده عند الحاجة، وإن حدث ذلك عادة بشكل محدود وبأهداف قصيرة الأجل حافظت على حرص الشرعية الدستورية. وفي الوقت نفسه، احتكرت أسرته السلطة العسكرية، كما سيطر أعضاء قبيلته من شمال البلاد على الوزارات الرئيسية والمناصب الحكومية.
لقد أدار صالح المناطق الحضرية في اليمن من خلال إدارة البلاد بطريقة منحت خدمة محدودة لهذه المناطق، حيث ترك المحافظات لنظام قائم على زعماء القبائل والمسؤولين المعينين من قبل الحكومة المركزية. ونتيجة لذلك، لم توسع الحكومة سلطتها بشكل كامل على أجزاء كثيرة من البلاد، كما أن مجموعات قبلية احتفظت إلى حد كبير باستقلالها. وقد قاوم العديد من القبائل ذلك النظام لأنهم كانوا يخشون من أن تؤدي طبيعتهم الفاسدة الجشعة إلى إلحاق الضرر بالسكان. بيد، أظهر لهم نظام صالح بأن المساومة مع الدولة هي أفضل وسيلة للحصول على المزيد من الاهتمام والدعم السياسي والتمثيل. ولذلك، تغاضت بعض الجماعات وجود تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بل حتى دعمت ذلك الوجود، كوسيلة لكسب المزيد من النفوذ مع صنعاء -- إن ذلك يشابه ميل نظام صالح إلى استخدام وجود تنظيم «القاعدة» كوسيلة للحصول على الدعم الغربي.
استمرار تمرد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»
بالإضافة إلى مناقشة الكيفية التي يمكن بموجبها قيام الإصلاح المؤسسي بمساعدة مختلف الفصائل على سحق منهج تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، ينبغي على اليمنيين أيضاً أن يستخدموا "الحوار الوطني" كمنتدى يناقش كيفية هزيمة الجماعة بشكل دائم على أرض المعركة. وعلى الرغم من أن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» قد ركز عملياته العسكرية في البداية ضد الأهداف الأجنبية بدلاً من اليمنية، إلا أن ذلك تغير بشكل كبير في عام 2011 عندما استغلت الجماعة الاضطراب السياسي في صنعاء لاجتياح أجزاء كبيرة من جنوب البلاد. ويرجع نجاح ذلك الهجوم إلى حد كبير إلى الانسحاب المتعمد لبعض قوات الأمن اليمنية للتعجيل بحدوث أزمة، إلا أن نهج القوة الناعمة الذي اتبعه تنظيم «القاعدة» مع السكان لعب هو الآخر دوراً أيضاً. وباتباعه استراتيجية دقيقة لإشراك المجتمع المحلي، استخدم تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» مشاريع التنمية الصغيرة، وإقامة العدل، والسياسة القبلية لحشد الدعم لعملياته. كما غيراسمه أيضاً إلى «جماعة أنصار الشريعة» في محاولة لاعادة تصنيف نفسه كمنظمة إسلامية إصلاحية -- وهذه واحدة من عدة جوانب من حملة من عمليات المعلومات المحنكة التي قام بها التنظيم.
ومع ذلك، فبمجرد استيلاء تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على السلطة في أجزاء من الجنوب، أدى أسلوبه الوحشي في الحكم إلى قيام نفور عميق تجاهه من قبل السكان. وفي عام 2012، أجبر هجوم مشترك شنه الجيش اليمني والقبائل المحلية المتحالفة إلى إخراج الجماعة من المناطق التي اجتاحتها. بيد رد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على ذلك بقيامه بحملة اغتيالات ضد مسؤولين في السلطة العسكرية والاستخبارية والأمنية، مما أسفر عن مقتل أكثر من ثمانين شخصاً حتى الآن. كما خاض معارك ضد القوات الحكومية في محافظة البيضاء في الأشهر الأخيرة، على الرغم من تراجعه إلى ملاذاته الآمنة التقليدية في المناطق الداخلية. وباختصار، لا يزال تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» يشكل تهديداً مستمراً وليس هناك شك بأنه سيحاول إعادة بناء قواته بالكامل. يجب على الوفود المشاركة في "الحوار الوطني" مناقشة السبل لمعالجة مشكلة تنظيم «القاعدة» بصورة مباشرة وبشكل واسع؛ ولا يكفي دراسة القضايا التي تؤثر بشكل غير مباشر على استراتيجية الجماعة.
خيارات الولايات المتحدة
لكي تتم هزيمة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، يجب على واشنطن أن تساعد اليمنيين على تحديد المصالح المشتركة بين الدولة الإصلاحية والقبائل التي دعمت تنظيم «القاعدة». ومن شأن قيام نهج سليم للإصلاح أن يدمج مصالح كل قبيلة بطريقة تطالبها بالترحيب بوجود موسع للدولة بدلاً من استخدام تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» كورقة مساومة. وبناء على ذلك، يجب على واشنطن دعم التدابير التالية:
• وضع استراتيجية سياسية وأمنية شاملة لإخضاع الملاذات الآمنة لـ تنظيم «القاعدة». نظراً لمركزية الدولة اليمنية، كثيراً ما كانت السلطة السياسية المحلية محدودة، الأمر الذي خلق خلل ديمقراطي ودفع القبائل المستبعدة إلى استخدام العنف لتحقيق أهدافها. ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع المشاركين في "مؤتمر الحوار الوطني" على مناقشة قيام المزيد من الحكم الذاتي والسلطة السياسية في المناطق المحلية في إطار أكثر ديمقراطية.
• بذل جهود لإضفاء الشرعية على "اللجان الشعبية" القبلية. سوف يتطلب إخضاع ملاذات تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» الحصول على مساعدة وحدات "اللجنة الشعبية" القبلية، وليس الجيش اليمني وقوات الشرطة وحدهم. فكما تبين في العراق وأفغانستان وحتى في اليمن نفسها، فإن قيام قوة أمنية قبلية في جزء من الوقت تكون ذات توجه دفاعي ولكن يتم تجنيدها وتدريبها ودفع رواتب جنودها ودعمها لوجستياً من قبل الدولة، هو أمر أساسي لتحقيق الأمن الدائم. وسوف تدعم القبائل قيام مثل هذا الجهد لأن بإمكانه توفير الأمن وفرص العمل والوسائل للتحقق من أي إساءة في استعمال السلطة من خلال توسيع القوات الحكومية. يجب على واشنطن أن تشجع صنعاء على إضفاء الشرعية على هذه الوحدات المحلية.
• المحاسبة الكاملة لانتهاكات تنظيم «القاعدة». تم وضع قدر كبير من التركيز على توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها قوات صالح ضد المتظاهرين في 2011-2012. يجب بذل جهد مماثل لتوثيق انتهاكات تنظيم «القاعدة»، والتحقيق في ما إذا كانت الأجهزة الأمنية قد تواطأت مع هذه الجماعة عندما وسعت وجودها في اليمن في عام 2011. ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع قيام محاسبة كاملة على كلا الجبهتين، بما في ذلك مقاضاة المسؤولين عن أي أفراد من رجال الأمن كانوا قد ساعدوا تنظيم «القاعدة».
• إنشاء فريق عامل من زعماء القبائل والأمن. يتعيّن على واشنطن حث المشاركين في المؤتمر على إنشاء فريق عمل من قادة القبائل والسياسيين ورجال الأمن من المناطق الأكثر تضرراً من عمليات تنظيم «القاعدة». ومن شأن هذا المنتدى أن يساعد هؤلاء على تبادل الدروس المستفادة من مواجهة الجماعة، ويوفر برنامج إصلاح موحد للمؤتمر الأوسع نطاقاً، ويعزز التعاون المحسّن حول الأهداف المشتركة في أعقاب المؤتمر.
دانيال غرين هو زميل آيرا وينر في معهد واشنطن ومحارب قديم في الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق